سأستعين بالله في هذا الموضوع لأضع أحاديث كتاب رياض الصالحين ، و ستكون الإضافة بحسب طول و قصر و أهمية ما سبقها، و هذه النسخة منقولة، و ما عملي فيها هنا إلا وضع و ترتيب.
والله أسأل الإخلاص في العمل والقبول.




مقـــدمة 

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، تذكرة لأولي القلوب والأبصار، وتبصرة لذوى الألباب والاعتبار، الذى أيقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبته وإدامه الإفكار، وملازمة الاتعاظ والادكار، ووفقهم للدأب في طاعته، والتأهب لدار القرار، والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار‏.‏ 

أحمده أبلغ حمدٍ وأزكاه وأشمله وأنماه‏.‏ 

وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤف الرحيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبة وخليله، الهادى إلى صراط مستقيم، والداعى إلى دين قويم‏.‏ صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبين، وآل كل، وسائر الصالحين‏.‏ 

أما بعد‏:‏ فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56،75‏]‏ وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلادٍ، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشروع انفصام لا موطن دوام‏.‏ فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل النار فيها هم الزهاد‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون‏}‏ ‏[‏ يونس‏:‏ 24‏]‏ في هذا المعنى كثيرة ولقد أحسن القائل‏:‏ 

إن لله عبادًا فُطـــنا**طلقوا الدنيا وخافوا الفتنـا 

نظروا فيها فلما علموا**أنها ليست لحي وطنـــا 

جعلوها لُجة واتخـذوا** صالح الأعمال فيها سفنـا 

فإذا كان حالها ما وصفته، وحالنا وما خلقنا له ما قدمته، فحق على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار، ويسلك مسلك أولى النهى والأبصار، ويتأهب لما أشرت إليه، ويهتم بما نبهت عليه‏.‏ أصوب طريق له في ذلك، وأشد ما يسلكه من المسالك‏:‏ التأدب بما صح عن نبيناً سيد الأولين والآخرين، وقد قال الله تعالى‏:‏‏{‏ وتعاونوا على البر والتقوى‏}‏ ‏[‏ المائدة‏:‏2‏]‏ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‏"‏ وأنه قال‏:‏‏"‏من دل على خير فله مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً‏"‏ وأنه قال لعلى رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم‏"‏‏.‏ 

فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين‏:‏ من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين‏.‏ 

وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثاً صحيحاً من الواضحات، مضافاً إلى الكتب الصحيحة المشهورات، وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات، وأوشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفى بنفائس من التنبيهات‏.‏ وإذا قلت في آخر حديث‏:‏ متفق عليه، فمعناه‏:‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏ 

وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يكون سائقاً للمعتنى به إلى الخيرات، حاجزاً له عن أنواع القبائح والمهلكات‏.‏ وأنا سائل أخاً انتفع بشئ منه أن يدعو لي، ولوالدى، ومشايخى، وسائر أحبابنا، والمسلمين أجمعين، وعلى الله الكريم اعتمادى، وإليه تفويضى واستنادى، وحسبى الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم‏.



1-باب الإخلاص وإحضارالنية فى جميع الأعمال والاقوال البارزة والخفية
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة‏}‏ ‏(‏‏(‏البينة‏:‏5‏)‏‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏}‏ ‏(‏‏(‏الحج‏:‏ 37‏)‏‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران‏:‏29‏)‏‏)‏‏.‏ 

1/1- وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدى بن لؤى ابن غالب القرشى العدوى‏.‏ رضي الله عنه، قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق على صحته‏.‏ رواه إماما المحدثين‏:‏ أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى رضي الله عنهما في صحيحهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة‏)‏‏)‏‏.‏ 


2/2- وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم‏"‏‏.‏ قالت‏:‏ قلت‏:‏ يارسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم‏!‏‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏.‏ هذا لفظ البخاري‏)‏‏)‏‏.‏ 

3/3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استفرتم فانفروا‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ 

(1) 

4/4- وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنهما قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ فقال‏:‏ ‏"‏إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض‏"‏ وفى رواية‏:‏ ‏"‏إلا شاركوكم في الأجر‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏ 

‏(‏‏(‏ورواه البخاري‏)‏‏)‏ عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا، حبسهم العذر‏"‏‏.‏ 

5/5- وعن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم، وهو وأبوه وجده صحابيون، قال‏:‏ كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال‏:‏ والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يامعن‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏ 

6/6- وعن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القرش الزهرى رضي الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، رضي الله عنهم، قال‏:‏ ‏"‏ جاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بى فقلت‏:‏ يارسول الله إني قد بلغ بى من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة لي، أفاتصدق بثلثى ما لي‏؟‏ قال‏:‏ لا، قلت‏:‏ فالشطر يارسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ لا، قلت‏:‏ فالثلث يا رسول الله‏؟‏ قال الثلث والثلث كثير- أو كبير- إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك قال‏:‏ فقلت‏:‏ يارسول الله أخلف بعد أصحابي‏؟‏ قال‏:‏ إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي بهوجه الله إلا ازددت به درجة ورفعةً، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون‏.‏ اللهم امض لآصحابى هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة‏"‏ يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة‏.‏‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ 

7/7- وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ 

‏"‏ إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏ 

8/8- وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضي الله عنه قال‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميةً، ويقاتل رياء، أى ذلك في سبيل الله‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ 

9/9- وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذ التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار‏"‏ قلت يارسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إنه كان حريصاً على قتل صاحبه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ 

10/10- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجه وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذى صلى فيه، ما لم يحدث فيه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه، وهذا لفظ مسلم‏)‏‏)‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (2) 

11/11- وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما يروى عن ربه، تبارك وتعالى قال‏:‏ ‏"‏ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك‏:‏ فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ 

12/12- وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا‏:‏ إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم‏.‏ قال رجل منهم‏:‏ اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً‏.‏ فنأى بى طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت- والقدح على يدى- أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمى- فاستيقظا فشربا غبوقهما‏.‏ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه‏.‏ قال الآخر‏:‏ اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلىّ ‏"‏ وفى رواية‏:‏ ‏"‏كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها فامتنعت منى حتى ألمّت بها سنة من السنين فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها‏"‏ وفى رواية‏:‏ ‏"‏فلما قعدت بين رجليها، قالت‏:‏ اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها‏.‏ وقال الثالث‏:‏ اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءنى بعد حين فقال‏:‏ يا عبد الله أدّ إلى أجرى، فقلت‏:‏ كل ما ترى من أجرك‏:‏ من الإبل والبقر والغنم والرقيق‏.‏ فقال‏:‏ يا عبد الله لا تستهزئ بى‏!‏ فقلت‏:‏ لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏‏