لم يشر أحد من المسئولين المصريين إلى مسألة اللقاء مع الرئيس الإسرائيلى. واكتفت صحفنا بالحديث عن الاجتماعات التى تمت مع المبعوثين الأمريكيين تناولت تطوير العلاقات بين البلدين، بل ان إحدى الصحف نقلت على لسان السيد بانيتا أمس قوله أن من بين أهداف زيارته للقاهرة حث القيادة المصرية على مواصلة التحول إلى الحكم المدنى الكامل. وهو أسخف ما قيل فى هذا الصدد، لأن الشواغل الأمريكية فى المنطقة أبعد ما تكون عن هذا الموضوع، إلا إذا كانت له صلة بتثبيت التحالف الثلاثى بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب.
يؤيد ما تردد حول مساعى ترتيب اللقاء بين الرئيسين المصرى والإسرائيلى أن ثمة سباقا مشهودا خلال الأسابيع الأخيرة لاسترضاء إسرائيل وكسب أصوات اليهود بين مرشحى الرئاسة الأمريكية التى يقترب موعدها (فى نوفمبر القادم). وهو ما لمسناه فى اعتماد الرئيس أوباما أكثر من 40 مليون دولار مساعدات لإسرائيل، فى حين كان منافسه الجمهورى ميت رومنى يعلن فى تل أبيب تأييده لإسرائيل فى توجيه ضربة عسكرية لإيران لإجهاض مشروعها النووى، واعترافه بالقدس عاصمة للدولة. وفى هذا السياق فإن نجاح أوباما فى ترتيب لقاء بين الرئيسين المصرى والإسرائيلى يمكن أن يصبح إنجازا مهما لصالحه فى السياق الانتخابى.
لم يعد سرا أيضا أن ممثلى الإدارة الأمريكية لم يسرهم فوز الإسلاميين فى بعض أقطار الربيع العربى، وأكثر ما أقلقهم هو انعكاس ذلك الفوز على علاقات تلك الدول مع إسرائيل. ومثلما سارع المبعوثون إلى زيارة القاهرة لذلك الغرض. فإنهم قاموا بزيارات مماثلة إلى تونس والمغرب لذات الغرض. وفى حدود معلوماتى فإنهم فى تونس والرباط لوحوا بإمكانية مساهمة رأس المال الإسرائيلى فى إنعاش الوضع الاقتصادى المتأزم فى البلدين. والذى هو أكثر حدة فى تونس. أما فيما خص مصر فقد طمأنهم ما سمعوه عن استمرار التزامها بالمعاهدة،و هم الآن يحاولون دفع الأمور إلى أبعد، بحيث تتجاوز العلاقة حدود المعاهدة، لتغدو استمرارا للشراكة بين البلدين التى كانت قائمة فى ظل النظام السابق.
لا يشك أحد فى أن العلاقة مع إسرائيل بعد الثورة تعد ملفا شائكا واختيارا دقيقا، تتخلله العديد من الخطوط الحمراء، وهذه الخطوط تتضاعف حين يصبح على رأس الدولة مسئول ينتمى بالأساس إلى جماعة الإخوان، التى اشتركت فى الحرب ضد العصابات الإسرائيلية فى عام 1948، ولاتزال قواعدها وامتداداتها فى العالم العربى رافضة للمخططات الصهيونية فى الوقت الراهن. حتى أزعم أن ذلك الرفض يشكل أحد مصادر مشروعيتها السياسية.
إن الرئيس محمد مرسى ينبغى أن يرفض أى عرض أمريكى للقاء مع الرئيس الإسرائيلى ليس فقط باعتبار انتمائه الأصلى إلى جماعة الإخوان، بل أيضا لأنه لا يعقل أن يتغير النظام فى مصر وتسقط الجماهير سياساته، فى حين تظل العلاقة المهينة مع إسرائيل مصونة لا تمس. وقد سبق أن قلت إنه إذا كانت موازين القوى والالتزامات الدولية تفرض على مصر الثورة احترام معاهدة السلام مع إسرائيل، فليس فى المعاهدة ما يلزم مصر بالشراكة مع إسرائيل أو استمرار التواطؤ معها.
لكى يحتفظ الرئيس مرسى بسمت الثورة، وبشرعيته كأول رئيس منتخب بعد الثورة، فعليه أن ينأى بنفسه عن تلويث صفحته بلقاء رئيس إسرائيل، وليترك علاقات الضرورة التى تفرضها المعاهدة إلى وزارة الخارجية دون الأجهزة الأمنية. من ثم فإذا اقترح عليه اللقاء مع رئيس إسرائيل فعليه أن يختار بين استرضاء واشنطن وبين الوفاء للثورة وكسب ثقة الجماهير العربية والإسلامية. ولن تعدم وزارة الخارجية وسيلة للاعتذار فى هذه الحالة، وهو الاعتذار الذى أحسبه بمثابة فرض عين عليه، إذا تخلى عنه فإنه يعرضه لما لا يحبه ولما لا نحبه له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق