محمد الرحمة المهداة:
إن رحمة النبي -صلى الله عليه و سلم- بُعد مهم في شخصيته، وفي دعوته، ومن صميم شخصيته رسولاً ونبياً ومبلغاً عن ربه وهادياً للناس. وحينما نقرأ قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ونقف أمام الآية ندرك سعة رحمة هذا النبي الكريم، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يفيض رحمة في خلقه وسلوكه وأدبه وشمائله. وإنه لتناسب وتآلف في أرقى مستوياته بين الرسالة والرسول في هذه الرحمة، حتى لا يُتصور أن يحمل عبء بلاغ هذه الرحمة إلى العالمين إلا رسول رحيم ذو رحمة عامة شاملة فياضة طبع عليها ذوقه ووجدانه، وصيغ بها قلبه وفطرته..(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) [التوبة: 128]. فهو مثل أعلى للرحمة الإلهية لذلك وصفه الله تعالى بأنه رؤوف رحيم.
لقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.. رحمة شاملة للوجود بأجمعه. يستطيع المؤمنون الاستفادة من الرحمة التي كان يمثلها النبي -صلى الله عليه و سلم- ذلك لأنه (بالمؤمنين روؤف رحيم) ويستطيع الكافرون والمنافقون أيضاً -إلى جانب المؤمنين - الاستفادة من هذه الرحمة كذلك. فعندما قيل له: ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة".
كما أن رحمته شملت أسرته وأمته وأصحابه، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته، من طيب كلامه، وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". كما أنه في تعامله مع أهله وزوجه كان يُحسن إليهم، ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم. كما كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي.
وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالجميع، بل إنه يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. و كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وجاء الحسن والحسين، وهما ابنا ابنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما حتى ووضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [لأنفال:28] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
فرحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلته لطيفاً رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحّشاً، ولا صخّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. بل إن سيدنا أنس -رضي الله عنه- يقول: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال أفّ قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" ، وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له، ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله". وفي رواية "ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله" .
ولذلك قال فيه القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر) [آل عمران:159] ، فقد كان منهجه الرحمة بالعباد والتخفيف من الإصر والغلال التي عليهم، وهو في هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) .
وتتجلّى رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالمذنبين، وبمن لا يعرفون كيف تقضى الأمور فيعفو ويصفح ويعلم، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَه مَه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن" قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه".
كانت رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل غضبه، بل إنه في الحرب كان يقاتل بشجاعة، ولكنه أيضاً كان صاحب شفقة عظيمة، كان سياسياً، ولكنه في الوقت نفسه صاحب مروءة كبيرة وقلب كبير. ففي غزوة أحد استشهد عمه حمزة أسد الله ورسوله رضي الله عنه، ومُزّق جسده تمزيقاً. كما مُزّق جسد ابن عمته عبد الله بن جحش تمزيقاً. وشُجّ رأسه المبارك صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رباعيّته، وغطّى الدم جسده الشريف.
وبينما كان المشركون جادّين في حملتهم لقتله كان أكثر رحمة بهم، وكان يدعو: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". فهل يوجد أرحم من محمد في مثل هذه اللحظات.
وفي فتح مكة كيف تعامل مع من أخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ وكيف تعامل مع من حاصروه في شعب أبي طالب وتسببوا في وفاة أحب زوجاته إليه خديجة الكبرى رضي الله عنها، وفي وفاة عمه أبي طالب؟ فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضاً؟
لقد دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل، دخل على مركبه، والدرع على صدره، والمغفر على رأسه، والسيف في يده، والنبال على ظهره، ولكنه مع كل مظاهر لباس الحرب هذه كان أنموذجاً للرحمة.
سأل أهل مكة: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم" فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: (لا تثريبَ عليكم اليوم يَغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف: 92) لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء".
هذا هو محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه رحمته التي شملت كل الناس، واستمرت دستوراً هادياً إلى أن تقوم الساعة، وليست تلك الرحمة الكاذبة التي تأتي ردود أفعال من أناس يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كما أنها ليس تلك الرحمة ذات الوجهين التي تُطبّق على البعض، ويُحرم منها البعض، كما نراه في كثير من الشخصيات والنظم والقوانين الدولية والمحلية، التي تحاكم آخرين وتستثني آخرين. أو تلك المؤسسات والشخصيات التي ترأف وترحم الحيوان، ولكنها تشرّع لظلم الإنسان لأخيه الانسان.
كما أن رحمته شملت أسرته وأمته وأصحابه، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته، من طيب كلامه، وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". كما أنه في تعامله مع أهله وزوجه كان يُحسن إليهم، ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم. كما كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي.
وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالجميع، بل إنه يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. و كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم. وجاء الحسن والحسين، وهما ابنا ابنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما حتى ووضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [لأنفال:28] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
فرحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلته لطيفاً رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحّشاً، ولا صخّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. بل إن سيدنا أنس -رضي الله عنه- يقول: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال أفّ قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" ، وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له، ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله". وفي رواية "ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله" .
ولذلك قال فيه القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاورهم في الأمر) [آل عمران:159] ، فقد كان منهجه الرحمة بالعباد والتخفيف من الإصر والغلال التي عليهم، وهو في هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) .
وتتجلّى رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالمذنبين، وبمن لا يعرفون كيف تقضى الأمور فيعفو ويصفح ويعلم، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَه مَه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن" قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه".
كانت رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل غضبه، بل إنه في الحرب كان يقاتل بشجاعة، ولكنه أيضاً كان صاحب شفقة عظيمة، كان سياسياً، ولكنه في الوقت نفسه صاحب مروءة كبيرة وقلب كبير. ففي غزوة أحد استشهد عمه حمزة أسد الله ورسوله رضي الله عنه، ومُزّق جسده تمزيقاً. كما مُزّق جسد ابن عمته عبد الله بن جحش تمزيقاً. وشُجّ رأسه المبارك صلى الله عليه وسلم، وكُسِرت رباعيّته، وغطّى الدم جسده الشريف.
وبينما كان المشركون جادّين في حملتهم لقتله كان أكثر رحمة بهم، وكان يدعو: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". فهل يوجد أرحم من محمد في مثل هذه اللحظات.
وفي فتح مكة كيف تعامل مع من أخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ وكيف تعامل مع من حاصروه في شعب أبي طالب وتسببوا في وفاة أحب زوجاته إليه خديجة الكبرى رضي الله عنها، وفي وفاة عمه أبي طالب؟ فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضاً؟
لقد دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل، دخل على مركبه، والدرع على صدره، والمغفر على رأسه، والسيف في يده، والنبال على ظهره، ولكنه مع كل مظاهر لباس الحرب هذه كان أنموذجاً للرحمة.
سأل أهل مكة: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم" فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: (لا تثريبَ عليكم اليوم يَغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف: 92) لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء".
هذا هو محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه رحمته التي شملت كل الناس، واستمرت دستوراً هادياً إلى أن تقوم الساعة، وليست تلك الرحمة الكاذبة التي تأتي ردود أفعال من أناس يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كما أنها ليس تلك الرحمة ذات الوجهين التي تُطبّق على البعض، ويُحرم منها البعض، كما نراه في كثير من الشخصيات والنظم والقوانين الدولية والمحلية، التي تحاكم آخرين وتستثني آخرين. أو تلك المؤسسات والشخصيات التي ترأف وترحم الحيوان، ولكنها تشرّع لظلم الإنسان لأخيه الانسان.
أم لم يعرفوا رسولهم؟
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) [المؤمنون: 69]، هذه الآية تشكل في الحقيقة مسوغًا هاماً لنا في تناول شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك أن معرفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سيرته وفي سنته وفي شمائله من أهم الأمور التربوية التي تساعدنا على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. فإنه لا توجد سيرة أخرى أجدى بأن تُقتدى ويُحتفل بها مثل سيرته صلى الله عليه وسلم. وفي تاريخ البشرية كلها لا نجد حياةً نُقلت إلينا تفاصيلها، وحُفظت لنا وقائعها في وضوح كامل، وتفصيل عميم شامل كما حُفظت، وكما نُقلت إلينا حياة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- رسول الله ورحمته المهداة إلى الناس أجمعين، فكل كلمة قالها، وكل خطوة خطاها، وكل بسمة تألّقت على محيّاه، وكل دمعة تحدرت من مآقيه، وكل مسعًى سار لتحقيقه، وكل مشاهد حياته حتى ما كان منها من خاصة أمره، وأسرار بيته، وأهله، نُقل إلينا موثّقاً بأصدق ما عرف التاريخ الإنساني من توثيق وتدوين.
ولا عجب في هذا، فمادام الله قد اختاره ليختم به النبوة والأنبياء، فمن الطبيعي أن تكون حياته منهجاً جليلاً لأجيال لا منتهى لأعدادها، وأن تكون هذه الحياة بكل تفاصيلها أشد وضوحاً، وتألقاً من فلق الصبح ورابعة النهار، لا بالنسبة إلى عصره فحسب، بل بالنسبة إلى كل العصور والأجيال.
إن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشمائله، وجوانب شخصيته، ونتائج دعوته درس لكل سالك إلى طريق الله، وكل قائد أو مربٍّ أو رب أسرة أو سالك أي سبيل من سبل الخير إلى أن ينقطع الزمان.
إن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشمائله، وجوانب شخصيته، ونتائج دعوته درس لكل سالك إلى طريق الله، وكل قائد أو مربٍّ أو رب أسرة أو سالك أي سبيل من سبل الخير إلى أن ينقطع الزمان.
و أهم أبعاد شخصيته صلى الله عليه وسلم، هو المحبة. فكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل محبة؟ وما هي الجوانب التي شملها هذا الخلق العظيم؟ وما موقفنا نحن تجاه محبته؟
منهجه يدعو إلى مجتمع المحبة:
إنها لصورة قاتمة باهتة مخيفة تلك التي رسمها البعض للإسلام في أذهان الناس حتى صار الناس يخافون من الدين ومن التدين؛ لأنهم يظنونه شيئاً قاسياً لا يرحم، وأتباعه غلاظ لا يلينون، وأحكامه سيف قاطع على الرؤوس.
وقد استثمر البعض الموقف، واتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- والإسلام بالحقد والكراهية، وكل أوصاف التجهم والتعصب والعنف، حتى لكلأنها صارت حقيقة، وأُسقط في أيدينا، وظن بعضنا أن هذا الزيف حقيقة.
ولكن الحقيقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نور يُستضاء به في ظلام الجاهلية، ومحبة خالصة تؤلف بين القلوب، وأن الإسلام شمس مضيئة أنارت ظلام الجاهلية، وهو دين الحب والأمل و الحياة واليسر، و شرائعه هي شرائع الحق والعدل، وأحكامه هي أحكام الحياة.
وللقيمة الرفيعة لخلق الحب والمحبة في الحياة، وأهميته في تحقيق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سعى لتحقيقه بوسائل متعددة، وربّى أصحابه وأمته على هذه النفسية الراقية، وحث على إشاعته بين الناس، ببناء كل العلاقات على أساس من الحب؛ حبّ الله، وحب الخير، وحب الصلاح والصالحين، وحب الإنسانية.
وبعبارة أخرى فإن نهجه صلى الله عليه وسلم، وحياته كلها دعوة للتحابب. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه مسلم في كتاب الإيمان: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل. وشاب نشأ بعبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله: اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه". فمن الناس الذين يصلون إلى تلك المرتبة العالية يوم القيامة (ورجلان تحابا في الله) فاجتمعا على حب الله وافترقا على حبه. بمعنى أن سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً فتفرّقا بموت أو سفر أو غيره، وهما صادقان في حبّ كل واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما.
ليس هذا فحسب، بل إن شرائع الإسلام وأحكامه كلها دعوة للمحبة، فالزكاة مثلاً التي هي قرينة الصلاة وجوباً وأهمية، فإن المستفيد منها وهو الفقير يشعر بأنه ليس وحده في المجتمع، وإنما هو فرد في جماعة لا تنساه وتكفله، ومن هنا تتلاشى الأحقاد وتنبت المحبة والألفة، وهكذا تكون الجماعة كالجسد الواحد، الغني يدفع من مال الله الذي عنده فيجد البركة والنماء، والفقير يتناول رزق ربه فيسدّ حاجته، والمجتمع ينقى ويطهر من الأمراض الخبيثة.
ولهذا فإن حب الخير للناس مما يقوم عليه ويتقوى به إيمان المؤمن، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس، فكان إذا أرسل غلامه للتقاضي يقول له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك سأله الله تعالى: هل عملت خيراً قط؟! قال: لا إلا أنني كنت أداين الناس فكنت أقول لغلامي: خذ ما تيسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فقال الله له: قد تجاوزت عنك".
فهذه العلاقة بين المؤمن والمؤمن يحرص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها تهب الجماعة المسلمة قوتها وصلابتها؛ فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن، فيقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فإن كل مؤمن هو لبنة في بناء المجتمع، يدخل الإيمان بينه وبين غيره كالمونة اللاصقة الجاذبة الموضوعة بين لبنات البناء، فيشتد البناء ويقوى وترتفع هامته، ثم إن من فيض الإيمان تنبعث الرحمة الهادية، التي ترجو ما عند الله، وإنه لحق، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة". ذلك هو الحب الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- لبناء المجتمع عليه.
وقد استثمر البعض الموقف، واتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- والإسلام بالحقد والكراهية، وكل أوصاف التجهم والتعصب والعنف، حتى لكلأنها صارت حقيقة، وأُسقط في أيدينا، وظن بعضنا أن هذا الزيف حقيقة.
ولكن الحقيقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نور يُستضاء به في ظلام الجاهلية، ومحبة خالصة تؤلف بين القلوب، وأن الإسلام شمس مضيئة أنارت ظلام الجاهلية، وهو دين الحب والأمل و الحياة واليسر، و شرائعه هي شرائع الحق والعدل، وأحكامه هي أحكام الحياة.
وللقيمة الرفيعة لخلق الحب والمحبة في الحياة، وأهميته في تحقيق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سعى لتحقيقه بوسائل متعددة، وربّى أصحابه وأمته على هذه النفسية الراقية، وحث على إشاعته بين الناس، ببناء كل العلاقات على أساس من الحب؛ حبّ الله، وحب الخير، وحب الصلاح والصالحين، وحب الإنسانية.
وبعبارة أخرى فإن نهجه صلى الله عليه وسلم، وحياته كلها دعوة للتحابب. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه مسلم في كتاب الإيمان: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل. وشاب نشأ بعبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله: اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. ورجل ذكر الله خالياً، ففاضت عيناه". فمن الناس الذين يصلون إلى تلك المرتبة العالية يوم القيامة (ورجلان تحابا في الله) فاجتمعا على حب الله وافترقا على حبه. بمعنى أن سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً فتفرّقا بموت أو سفر أو غيره، وهما صادقان في حبّ كل واحد منهما صاحبه لله تعالى، حال اجتماعهما وافتراقهما.
ليس هذا فحسب، بل إن شرائع الإسلام وأحكامه كلها دعوة للمحبة، فالزكاة مثلاً التي هي قرينة الصلاة وجوباً وأهمية، فإن المستفيد منها وهو الفقير يشعر بأنه ليس وحده في المجتمع، وإنما هو فرد في جماعة لا تنساه وتكفله، ومن هنا تتلاشى الأحقاد وتنبت المحبة والألفة، وهكذا تكون الجماعة كالجسد الواحد، الغني يدفع من مال الله الذي عنده فيجد البركة والنماء، والفقير يتناول رزق ربه فيسدّ حاجته، والمجتمع ينقى ويطهر من الأمراض الخبيثة.
ولهذا فإن حب الخير للناس مما يقوم عليه ويتقوى به إيمان المؤمن، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس، فكان إذا أرسل غلامه للتقاضي يقول له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك سأله الله تعالى: هل عملت خيراً قط؟! قال: لا إلا أنني كنت أداين الناس فكنت أقول لغلامي: خذ ما تيسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فقال الله له: قد تجاوزت عنك".
فهذه العلاقة بين المؤمن والمؤمن يحرص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها تهب الجماعة المسلمة قوتها وصلابتها؛ فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن، فيقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فإن كل مؤمن هو لبنة في بناء المجتمع، يدخل الإيمان بينه وبين غيره كالمونة اللاصقة الجاذبة الموضوعة بين لبنات البناء، فيشتد البناء ويقوى وترتفع هامته، ثم إن من فيض الإيمان تنبعث الرحمة الهادية، التي ترجو ما عند الله، وإنه لحق، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة". ذلك هو الحب الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- لبناء المجتمع عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق